هو

بخشی از تفسیر شریف المیزان در ذیل آیات آخر سوره حشر:

فعلى من آمن بالله و رسوله و الیوم الآخر أن یذکر ربه و لا ینساه و ینظر فیما یقدمه من العمل لیوم الرجوع إلى ربه فإن ما عمله محفوظ علیه یحاسبه به الله یومئذ فیجازیه علیه جزاء لازما لا یفارقه.
و هذا هو الذی یرومه قوله: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ» الآیات فتندب المؤمنین إلى أن یذکروا الله سبحانه و لا ینسوه و ینظروا فی أعمالهم‏ التی على صلاحها و طلاحها یدور رحى حیاتهم الآخرة فیراقبوا أعمالهم أن تکون صالحة خالصة لوجهه الکریم مراقبة مستمرة ثم یحاسبوا أنفسهم فیشکروا الله على ما عملوا من حسنة و یوبخوها و یزجروها على ما اقترفت من سیئة و یستغفروا.
و ذکر الله تعالى بما یلیق بساحة عظمته و کبریائه من أسمائه الحسنى و صفاته العلیا التی بینها القرآن الکریم فی تعلیمه هو السبیل الوحید الذی ینتهی بسالکه إلى کمال العبودیة و لا کمال للإنسان فوقه.
و ذلک أن الإنسان عبد محض و مملوک طلق لله سبحانه فهو مملوک من کل جهة مفروضة لا استقلال له من جهة کما أنه تعالى مالکه من کل جهة مفروضة له الاستقلال من کل جهة، و کمال الشی‏ء محوضته فی نفسه و آثاره فکمال الإنسان فی أن یرى نفسه مملوکا لله من غیر استقلال و أن یتصف من الصفات بصفات العبودیة کالخضوع و الخشوع و الذلة و الاستکانة و الفقر بالنسبة إلى ساحة العظمة و العزة و الغنى و أن تجری أعماله و أفعاله على ما یریده الله لا ما یهواه نفسه من غیر غفلة فی شی‏ء من هذه المراحل الذات و الصفات و الأفعال.
و لا یتم له النظر إلى ذاته و صفاته و أفعاله بنظرة التبعیة المحضة و المملوکیة الطلقة إلا مع التوجه الباطنی إلى ربه الذی هو على کل شی‏ء شهید و بکل شی‏ء محیط و هو القائم على کل نفس بما کسبت من غیر أن یغفل عنه أو ینساه.
و عندئذ یطمئن قلبه کما قال تعالى: «أَلا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»: الرعد: 28، و یعرف الله سبحانه بصفات کماله التی تتضمنها أسماؤه الحسنى، و یظهر منه قبال ذلک صفات عبودیته و جهات نقصه من خضوع و خشوع و ذلة و فقر و حاجة.
و یتعقب ذلک أعماله الصالحة بدوام الحضور و استمرار الذکر، قال تعالى: «وَ اذْکُرْ رَبَّکَ فِی نَفْسِکَ‏ تَضَرُّعاً وَ خِیفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَکُنْ مِنَ الْغافِلِینَ إِنَّ الَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ یُسَبِّحُونَهُ وَ لَهُ یَسْجُدُونَ»: الأعراف: 206 و قال: «فَإِنِ اسْتَکْبَرُوا فَالَّذِینَ عِنْدَ رَبِّکَ یُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ هُمْ لا یَسْأَمُونَ»: حم السجدة: 38.
و إلى ما ذکرنا من معرفته تعالى بصفات کماله و معرفة النفس بما یقابلها من صفات النقص و الحاجة یشیر بمقتضى السیاق قوله: «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ‏» إلى آخر الآیات.
قوله تعالى: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ» إلى آخر
الآیة، أمر للمؤمنین بتقوى الله و بأمر آخر و هو النظر فی الأعمال التی قدموها لیوم الحساب أ هی صالحة فلیرج بها ثواب الله أو طالحة فلیخش عقاب الله علیها و یتدارک بالتوبة و الإنابة و هو محاسبة النفس.
أما التقوى و قد فسر فی الحدیث بالورع عن محارم الله فحیث تتعلق بالواجبات و المحرمات جمیعا کانت هی الاجتناب عن ترک الواجبات و فعل المحرمات.
و أما النظر فیما قدمت النفس لغد فهو أمر آخر وراء التقوى نسبته إلى التقوى کنسبة النظر الإصلاحی ثانیا من عامل فی عمله أو صانع فیما صنعه لتکمیله و رفع نواقصه التی غفل عنها أو أخطأ فیها حین العمل و الصنع.
فعلى المؤمنین جمیعا أن یتقوا الله فیما وجه إلیهم من التکالیف فیطیعوه و لا یعصوه ثم ینظروا فیما قدموه من الأعمال التی یعیشون بها فی غد بعد ما حوسبوا بها أ صالح فیرجى ثوابه أم طالح فیخاف عقابه فیتوبوا إلى الله و یستغفروه.
و هذا تکلیف عام یشمل کل مؤمن لحاجة الجمیع إلى إصلاح العمل و عدم کفایة نظر بعضهم عن نظر الآخرین غیر أن القائم به من أهل الإیمان فی نهایة القلة بحیث یکاد یلحق بالعدم و إلى ذلک یلوح لفظ الآیة «وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ‏».
فقوله: «وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ» خطاب عام لجمیع المؤمنین لکن لما کان المشتغل بهذا النظر من بین أهل الإیمان بل من بین أهل التقوى منهم فی غایة القلة بل یکاد یلحق بالعدم لاشتغالهم بأعراض الدنیا و استغراق أوقاتهم فی تدبیر المعیشة و إصلاح أمور الحیاة ألقى الخطاب فی صورة الغیبة و علقه بنفس ما منکرة فقال: «وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ‏» و فی هذا النوع من الخطاب مع کون التکلیف عاما بحسب الطبع عتاب و تقریع للمؤمنین مع التلویح إلى قلة من یصلح لامتثاله منهم.
طباطبایى، محمد حسین، المیزان فى تفسیر القرآن.